فصل: قال السيوطي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن كثير:

فإن قيل: كيف يسأل المؤمن الهداية في كل وقت من صلاة وغيرها، وهو متصف بذلك؟ فهل هذا من باب تحصيل الحاصل أم لا؟
فالجواب: أن لا ولولا احتياجه ليلا ونهارًا إلى سؤال الهداية لما أرشده الله إلى ذلك؛ فإن العبد مفتقر في كل ساعة وحالة إلى الله تعالى في تثبيته على الهداية، ورسوخه فيها، وتبصره، وازدياده منها، واستمراره عليها، فإن العبد لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله، فأرشده تعالى إلى أن يسأله في كل وقت أن يمده بالمعونة والثبات والتوفيق، فالسعيد من وفقه الله تعالى لسؤاله؛ فإنه تعالى قد تكفل بإجابة الداعي إذا دعاه، ولاسيما المضطر المحتاج المفتقر إليه آناء الليل وأطراف النهار، وقد قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نزلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزلَ مِنْ قَبْلُ} [النساء: 136]، فقد أمر الذين آمنوا بالإيمان، وليس في ذلك تحصيل الحاصل؛ لأن المراد الثبات والاستمرار والمداومة على الأعمال المعينة على ذلك، والله أعلم.
وقال تعالى آمرا لعباده المؤمنين أن يقولوا: {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} وقد كان الصدِّيق رضي الله عنه يقرأ بهذه الآية في الركعة الثالثة من صلاة المغرب بعد الفاتحة سرًا. فمعنى قوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} استمر بنا عليه ولا تعدل بنا إلى غيره. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6)} الهداية الإرشاد، وأصلها الإمالة، والمهديُّ من عرف الحق سبحانه، وآثر رضاه، وآمن به. والأمر في هذه الآية مضمر؛ فمعناه اهدنا بنا- والمؤمنون على الهداية في الحال- فمعنى السؤال الاستدامة والاستزادة. والصراط المستقيم الطريق الحق وهو ما عليه أهل التوحيد. ومعنى اهدنا أي مِلْ بنا إليك، وخُذْنا لك، وكن علينا دليلنا، ويَسِّرْ إليك سبيلنا، وأقم لنا هممنا، واجمع بك همومنا.

.فصل: في قطع الأسرار عن شهود الأغيار:

اقطعْ أسرارنا عن شهود الأغيار، ولوِّح في قلوبنا طوالع الأنوار، وأفْرِدْ قصودنا إليك عن دَنَس الآثار، ورقِّنا عن منازل الطلب والاستدلال إلى جَمْع ساحات القُرب والوصال.

.فصل: معية الله:

حُلْ بيننا وبين مساكنة الأمثال والأشكال، بما تلاطفنا به من وجود الوصال، وتكاشفنا به من شهود الجلال والجمال.

.فصل: الإرشاد والهداية:

أرْشِدْنَا إلى الحق لئلا نتكل على وسائط المعاملات، ويقع على وجه التوحيد غبار الظنون وحسبان الإعلال.
{اهدنا الصراط المستقيم} أي أزِلْ عنَّا ظلمَاتِ أحوالنا لنستضيء بأنوار قُدْسِك عن التفيؤ بظلال طلبنا، وارفع عنا ظل جهدنا لنستبصر بنجوم جودك، فنجدك بك.

.فصل: الهداية والإرشاد:

{اهدنا الصراط المستقيم} حتى لا يصحبنا قرين من نزغات الشيطان ووساوسه، ورفيق من خطرات النفوس وهواجسها، أو يصدنا عن الوصول تعريج في أوطان التقليد، أو يحول بيننا وبين الاستبصار ركون لي معتاد من التلقين، وتستهوينا آفة من نشو أو هوادة، وظن أو عادة، وكلل أو ضعف إرادة، وطمع مالٍ أو استزادة.

.فصل: الصراط المستقيم ما عليه من الكتاب والسنة دليل:

الصراط المستقيم ما عليه من الكتاب والسنة دليل، وليس للبدعة عليه سلطان ولا إليه سبيل. الصراط المستقيم ما شهدت بصحته دلائل التوحيد، ونبهت عليه شواهد التحقيق، الصراط المستقيم ما دَرَجَ عليه سَلَفُ الأمة، ونطقت بصوابه دلائل العبرة. الصراط المستقيم ما باين الحظوظَ سالكُه، وفارق الحقوقَ قاصدُه. الصراط المستقيم ما يُفْضِي بسالكه إلى ساحة التوحيد، ويُشْهِدُ صاحبَه أثرَ العناية والجود، لئلا يظنَّه موجَب ببذل المجهود. اهـ.

.قال السيوطي:

الهدى يأتي على سبعة عشر وجها.
1- بمعنى الثبات {اهدنا الصراط المستقيم}.
2- والبيان أولئك على هدى من ربهم.
3- والدين إن الهدى هدى الله.
4- والإيمان ويزيد الله الذين اهتدوا هدى.
5- والدعاء ولكل قوم هاد وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا.
6- وبمعنى الرسل والكتب فإما يأتينكن مني هدى.
7- والمعرفة وبالنجم هم يهتدون.
8- وبمعنى النبي إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى.
9- وبمعنى القرآن ولقد جاءهم من ربهم الهدى.
10- والتوراة ولقد آتينا موسى الهدى.
11- والاسترجاع وأولئك هم المهتدون.
12- والحجة لا يهدي القوم الظالمين بعد قوله تعالى ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أي لا يهديهم حجة.
13- والتوحيد إن نتبع الهدى معك.
14- والسنة فبهداهم اقتده وإنا على آثارهم مهتدون.
15- والإصلاح وأن الله لا يهدي كيد الخائنين.
16- والإلهام أعطى كل شيء خلقه ثم هدى أي ألهمهم المعاش.
17- والتوبة إنا هدنا إليك.
18- والإرشاد أن يهديني سواء السبيل. اهـ.

.فائدة: الصراط المستقيم: هو الطريق الواضح الذي لا اعوجاج فيه:

الصراط المستقيم: أصله الطريق الواضح الذي لا اعوجاج فيه، ولا انحراف، ويستعار لكل قول أو عمل يبلغ به صاحبه الغاية الحميدة، فالطرق الواضح للحسّ، كالحق للعقل، في أنه: إذا سير بهما أبلغا السالك النهاية الحسنى. اهـ.

.فصل تفصيل أسماء الطرق وأوصافها:

قال النويري:
قال الثعالبي: المرصاد والنجد، الطريق الواضح؛ وكذلك الصراط والجادة والمنهج واللقم والمحجة، وسط الطريق ومعظمه. واللاحب، الطريق الموطأ. المهيع، الطريق الواسع. الوهم، الطريق الذي يرد فيه الموارد. الشارع، الطريق الأعظم. النقب والشعب، الطريق في الجبل. الخل، الطريق في الرمل. المخرف، الطريق في الأشجار. ومنه الحديث: عائد المريض في مخارف الجنة. النسيب، الطريق المستقيم؛ وقيل أنه المستدق الواضح، كطريق النمل والحية وحمر الوحش. والله أعلم.
أسماء ما ارتفع من الأرض إلى أن يبلغ الجبيل، ثم ما ارتفع عن ذلك إلى أن يبلغ الجبل العظيم وترتيب ذلك.
وقال الثعالبي في كتابه المترجم بفقه اللغة وأسنده إلى أئمتها: أصغر ما ارتفع من الأرض النبكة؛ ثم الرابية أعلى منها؛ ثم الأكمة؛ ثم الزبية؛ ثم النجوة، ثم الريع؛ ثم القف؛ ثم الهضبة وهو الجبل المنبسط على الأرض؛ ثم القرن وزهو الجبل الصغير؛ ثم الدك وهو الجبل الذليل؛ ثم الضلع وهو الجبل الذي ليس بالطويل؛ ثم النيق وهو الجبل الطويل؛ ثم الطود؛ ثم الباذح والشامخ؛ ثم الشاهق؛ ثم المشمخر؛ ثم الأقود والأخشب؛ ثم الأيهم؛ ثم القهب وهو العظيم؛ ثم الخشام.
ترتيب أبعاض الجبل قال الثعالبي: أول الجبل الحضيض، وهو القرار من الارض عند أصل الجبل.
ثم السفح، وهو ذيله.
ثم السند، وهو المرتفع في أصله.
ثم الكيح، وهو ما أطاف به.
ثم الريد، وهو ناحيته المشرفة على الهواء.
ثم العرعرة، وهي غلظة ومعظمة.
ثم الحيد، وهو جناحه.
ثم الرعن، وهو أنفه.
ثم السعفة، وهي رأسه.
وقال صاحب كتاب الفاخر: يقال من أسماء الجبال: العظيم منها الطور، والطود، والكفر، والقهب، والعمود، والعلم، والأرعن، والمشمخر.
والأيهم الطويل وهو الشامخ، والشاهق، والباذخ، والباسق، والأقود.
والأخشب، والخشن.
والعقاب، الصعاب.
والثنايا، التي ليست بصعبة.
والهرشم، النخر.
والخشام، جبل طويل ذو أنف.
والوزر، والملجأن والقلعة، ما يحصن فيه.
والقرن، جبل صغير.
والضلع والدك، فيه دقة وانحناء.
والنيق، الذي لا يستطاع أن يرتقى إليه.
وأعلى الجبل قلته وقنته وذؤابته.
وعرعرته، غلظه.
والفند، القطعة منه.
وشعفه ومصاده، أعلاه.
والكيح والكاح، عرضه.
والركح، ناحيته المشرفة على الهواء.
والخضيض، أسفله.
قال: وصغار الجبال، اليفع، والضرس، والضرب، والعنتبية، والعنتوت، والأكمة، والهضبة.
والذريحة ما انبسط على وجه الأرض.
واللوذ، حضن الجبل وما يطيف به.
والريد والريود، نواحيه المحددة.
والحيد، شاخص يتقدم كالجناح. ومثله الشنعوف.
والصدع والشقب، شق فيه.
والغار والكهف، مثل البيوت فيه.
والقردوعة، الزاوية فيه.
واللهب والنفنف والغار، مهواة بين جبلين.
والشؤون، خطوط فيه.
والمخرم، منقطع أنفه.
والقرناس، شبه الأنف.
والإرم، العلم فيه. اهـ.

.من فوائد القونوي في الآية الكريمة:

قال رحمه الله:
قوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ}:
اعلم، أنّ هذه الآية تشتمل على أمور تتعلّق بظاهرها، وأمور تختصّ بما بعد الظاهر وفوقه، ونحن نبدأ بالظاهر، ثم نشرع فيما بعد. فنقول:
هذه الآية منتظمة من ثلاث كلمات: لفظة: {اهدنا} ولفظة: {الصراط} ولفظة: {المستقيم} ولكلّ واحدة من هذه الثلاث ثلاث مراتب ظاهرة، وثلاث مراتب باطنة، سننبّه عليها كلّها- إن شاء اللّه تعالى- فتذكّر تثليث الفاتحة، وافحص عن سرّه، فإن أشهدته شاهدت العجب:
و{اهدنا} أمر في صورة دعاء وسؤال، وهو مأخوذ من الهداية وهي: البيان، وأصل هذه اللفظة بالياء وانحذفت للأمر. وورودها بصيغة الجمع هو إرداف لما سلف في قوله: نَعْبُدُ ونَسْتَعِينُ فكان كلّ من العباد يترجم عن الجميع بلسان النسب الجامع والحكم المشترك بين الكلّ.